أقدمت هيئة السفارة الإنسانية في مدينة مالقا الإسبانية يوم السبت 26 أبريل 2025 على تنظيم ندوة خبراء تحت شعار “الدبلوماسية الموازية ورهان الدفاع عن القضايا العادلة”، بمشاركة نخبة من الدبلوماسيين والباحثين وممثلي الهيئات الإنسانية
وقد تميزت هذه الندوة بتحقيق نجاح متميز، سواء على مستوى التنظيم أو على صعيد الحضور النوعي والمداخلات العميقة. شكلت الفعالية منصة حيوية جمعت سفراء الإنسانية الذين ناقشوا بإبداع وجدية سبل تعزيز الدبلوماسية الموازية كآلية للدفاع عن القضايا العادلة، في عالم يتسم بتعقيدات متزايدة وتحديات متعددة الأبعاد.
ركزت المداخلات على أهمية الدور المتنامي للدبلوماسية غير الرسمية في إعلاء صوت الشعوب، والتأثير في مراكز القرار، وفتح قنوات حوار بديلة بعيدة عن التعقيدات البروتوكولية التقليدية. وتم التأكيد على أن الدبلوماسية الإنسانية تُمثل اليوم أحد أهم الرهانات لمناصرة قضايا السلام، وحقوق الإنسان، والتنمية المستدامة.
وأشار المنسق العام لهيئة السفارة الإنسانية، السيد محمد القوضاضي، الى دواعي تنطيم هذه الندوة والحديث عن الدبلوماسية الموازية، في ظل المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، لا يمكن أن يتم بمعزل عن الأحداث الكبرى التي تعصف بمختلف مناطقه. هذه الأحداث، كما أوضح، لا تقتصر تأثيراتها على المستويات السياسية والاقتصادية فحسب، بل تمتد بعمق إلى النسيج الاجتماعي المحلي والإقليمي والجهوي، مما يؤدي إلى تحولات جذرية في بنية المجتمعات وقيمها.
وأكد القوضاضي أن العالم اليوم يقف على أعتاب مرحلة جديدة تتسم بتجاوز الحدود الجغرافية التقليدية، حيث لم تعد السيادة الوطنية أو الانتماءات الضيقة كافية لضمان استقرار الشعوب وتنميتها. ففي هذا السياق المتقلب، تبرز الحاجة الملحة إلى منظومة قيمية إنسانية قادرة على مدّ جسور التواصل والتفاهم بين مختلف الثقافات والحضارات.
وشدد القوضاضي على أن القيم الإنسانية، مثل التضامن، والتعايش، والمودة، والإخاء، تمثل اليوم حجر الأساس لأي محاولة حقيقية لإعادة بناء العلاقات الدولية على أسس أكثر عدلًا وإنصافًا. فهذه القيم ليست مجرد شعارات، بل هي مرتكزات عملية يجب أن تتجسد في السياسات والمبادرات على أرض الواقع، من خلال دعم الحوار بين الشعوب، وتعزيز التفاهم المتبادل، والعمل المشترك لمواجهة التحديات العابرة للحدود مثل قضايا الهجرة، والفقر، والتغير المناخي، والنزاعات المسلحة.
وفي ختام مداخلته، دعا السيد محمد القوضاضي إلى تبني مفهوم جديد وهو الدبلماسية الإنسانية و العمل على تعزيز دورها كأداة حيوية لنشر ثقافة السلم والتسامح و التعايش، مؤكدًا أن هذا النوع من الدبلوماسية يمتلك مرونة وقدرة على الوصول إلى الفئات المجتمعية المختلفة، بما يتيح له المساهمة الفعالة في إعادة بناء عالم أكثر إنسانية وتضامنًا، بعيدًا عن منطق الهيمنة والصراع
و في مداخلة ذ.عبد العزيز حيون في محور الإطار المفاهيمي والتجارب الناجحة في الدبلوماسية الموازية تطرق الى الدبلوماسية الموازية في المغرب: من الحماس الشبابي إلى المشاركة الدولية المنظمة حيث شهد المغرب مع نهاية عقد السبعينيات وبداية الثمانينيات بروز ظاهرة جديدة على الساحة السياسية والدبلوماسية، تمثلت في نشأة الدبلوماسية الموازية، التي ارتبطت في بداياتها بالمنظمات الشبابية والطلابية. وقد ساهمت هذه الحركية الشبابية النشطة في إطلاق دينامية جديدة تمثلت في تحركات دولية عفوية دفاعًا عن القضايا الوطنية الكبرى. وبدأ هذا الحراك يأخذ طابعًا أكثر نضجًا، حيث تم ترسيخ مفهوم جديد للعمل الدبلوماسي وتمكنت هذه الفعاليات الشبابية من ربط نشاطها بالقضايا الوطنية ذات الأولوية، مما منح الدبلوماسية الموازية دورًا تكميليًا محوريًا في دعم السياسات الخارجية للمملكة.فقد باتت المشاركة المغربية في المنتديات الدولية، وفي الترافع حول القضايا الوطنية، تتم وفق رؤية أوضح وخطط مدروسة، واليوم، تُعدّ الدبلوماسية الموازية ركيزة أساسية في السياسة الخارجية المغربية، مستفيدة من تجارب العقود الماضية ومن تطور وعي الفاعلين المدنيين والشبابيين بأهمية العمل المنظم والمستدام لخدمة المصالح الوطنية على الساحة الدولية
وفي إطار أشغال اللقاء، قدّم الخبير الدولي السيد بيدرو الطاميرانو مداخلة نوّه فيها بالمجهودات الرائدة التي تبذلها هيئة السفارة الإنسانية على المستوى الدولي، خاصة في ما يتعلق بتوسيع آفاق الانفتاح نحو باقي الدول وتعزيز حضورها في الساحة الإنسانية العالمية.
وأشار الطاميرانو إلى أن الهيئة نجحت، بفضل رؤيتها الاستراتيجية وعملها المتواصل، في تقديم نموذج ناجح يتمثل في نخبة منسجمة من الكفاءات المغربية، وهو ما يعكس قدرة الهيئة على مدّ جسور التعاون بين الثقافات وصياغة مشاريع مشتركة تقوم على أساس الحوار والتفاهم.
كما عبّر عن تقديره الخاص للمقاربة التشاركية التي تعتمدها الهيئة في إعداد ندوة الخبراء، معتبرًا أن هذا المشروع يمثل خطوة نوعية نحو ترسيخ مفهوم الدبلوماسية الإنسانية ودعم المبادرات التي تسعى إلى تعزيز القيم المشتركة بين الشعوب. واختتم مداخلته بالتأكيد على أهمية هذا النوع من المبادرات في بناء مستقبل أكثر تضامنًا وتكاملًا، بعيدًا عن الانقسامات والصراعات.
في مداخلتها خلال أشغال الندوة، تطرقت المحامية ذ.إجلال الحولاني إلى محور بالغ الأهمية، تمثل في الإطار القانوني الذي يحمي ممارسات الدبلوماسية الموازية على الصعيدين الوطني والدولي. وأشارت إلى أن تطور هذه الممارسة يستوجب بيئة قانونية تضمن حرية الأفراد والمنظمات في العمل دون الخوف من الملاحقات أو التضيي.
وأوضحت دة. اجلال الحولاني أن على مستوى الأنظمة القانونية الوطنية، تبنت بعض الدول تشريعات تحمي الأنشطة غير الرسمية، وتسمح للمنظمات غير الحكومية بالعمل دوليًا دون المساس بالأمن القومي. غير أنها نبهت إلى أن تحديات كبيرة ما تزال قائمة، أبرزها القيود المفروضة على حرية الحركة أو التعبير التي تواجهها بعض المنظمات.
وفي هذا السياق، أكدت دة. اجلال الحولاني أن القانون الدولي يلعب دورًا داعمًا، حيث يعزز حقوق الأفراد والمنظمات في ممارسة الدبلوماسية الموازية، ويضمن لهم الحماية من الاضطهادات أو الملاحقات القانونية والقضائية، مما يشكل دعامة أساسية لتوسيع مجالات الحوار والتعاون بين الشعوب بعيدًا عن القنوات الدبلوماسية التقليدية، كما يعزز القانون الدولي حقوق الأفراد والمنظمات في ممارسة الدبلوماسية الموازية دون خوف من الاضطهادات القانونية أو القضائية.
خلال مداخلته القيمة في أشغال الندوة، سلط الأستاذ عبد العزيز الزروالي الضوء على الرهانات المستقبلية للدبلوماسية الموازية في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة. وأكد الزروالي أن قدرة هذا النوع من الدبلوماسية على التكيف مع التغيرات العالمية، مع الحفاظ على مرونتها وتميزها، يمثل الركيزة الأساسية لاستمراريتها وتأثيرها.
وشدد على أن مهنية القطاع من خلال التكوين المتخصص واعتماد منهجيات عمل دقيقة تعدّ من أبرز المسارات الواعدة لتعزيز فعالية الدبلوماسية الموازية ومكانتها ضمن المشهد الدولي.
كما أبرز أهمية تطوير شبكات تنسيق متينة بين مختلف الفاعلين غير الحكوميين، بما يساهم في تعزيز الأثر الإيجابي لمبادراتهم، داعيًا في الوقت نفسه إلى إقامة شراكات بنّاءة ومهيكلة مع المؤسسات الدبلوماسية الرسمية، بما يضمن تكامل الأدوار بدل التنافس بينها.
وفي تحليله للواقع الدولي المعاصر، أشار الزروالي إلى أن الأزمات العابرة للحدود وظهور فاعلين جدد في الساحة العالمية يفتحان المجال أمام الدبلوماسية الموازية للاضطلاع بدور محوري ومتنامٍ في صياغة هندسة دبلوماسية جديدة للقرن الحادي والعشرين، قوامها التعاون، والتفاهم، والانفتاح على مختلف الفاعلين.
ومن خلال اوراش الدبلوماسية الموازية محول “عوائق بناء استراتيجيات دبلوماسية فعالة وآليات تعزيز نجاحها”، تناول الاستاد شاكر بن جلون التحولات الجيوسياسية والتغيرات السريعة التي تشهدها العلاقات الدولية. في هذا السياق، أشار إلى أن الدبلوماسية الموازية أصبحت أداة حاسمة تسهم بشكل متزايد في تشكيل ملامح السياسة العالمية. إن مصداقية هذه الدبلوماسية المتزايدة وقاعدتها الشعبية الواسعة تجعلها مكملًا أساسيًا للقنوات الدبلوماسية التقليدية، حيث تساهم في تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية تساهم في توسيع نطاق تأثيرها وتعزيز دورها على الساحة الدولية.
- تعزيز الشبكات: التعاون الاستراتيجي بين الجمعيات يعد التعاون بين الجمعيات والمنظمات عبر الحدود من أبرز سمات الدبلوماسية الموازية. يُجسد هذا التعاون بشكل خاص في نموذج CIVICUS، الذي يعزز التنسيق بين المنظمات غير الحكومية التي تعمل على قضايا حقوق الإنسان، التغير المناخي، والتنمية المستدامة. من خلال هذا النموذج، يتمكن المجتمع المدني من تطوير آليات تعاون عبر وطنية فعّالة، ما يسمح لها بالتحرك والتأثير في السياسة العالمية دون التقيد بالآليات الدبلوماسية الحكومية التقليدية.
- التعاون الرقمي: الاستفادة من المنصات الرقمية للحملات العالمية تعتبر المنصات الرقمية أداة قوية في حملات الدبلوماسية الموازية، حيث تتيح لها الوصول إلى جمهور عالمي واسع، وتبادل المعلومات والأفكار بطرق مبتكرة. تعتبر حركة #MeToo مثالًا بارزًا على كيفية استفادة الحركات الرقمية من الفضاء الرقمي لتشكيل رأي عام عالمي حول قضايا معينة. لقد كان لهذه الحركة تأثير كبير في تغيير السياسات العامة في العديد من البلدان، وأسهمت في سن قوانين جديدة لمكافحة التحرش الجنسي وتعزيز المساواة بين الجنسين.
- إدارة البيانات: تنفيذ أدوات تحليلية لدعم التدخلات في عصر المعلومات، أصبح استخدام الأدوات التحليلية المتقدمة في إدارة البيانات أمرًا بالغ الأهمية. تتيح هذه الأدوات للمنظمات المعنية جمع الأدلة وتوليد المعلومات التي تدعم التدخلات الميدانية. من خلال تحليل البيانات بشكل دقيق، تتمكن مؤسسات المجتمع المدني من تقديم حجج موثوقة وقائمة على أساس علمي، مما يعزز من مصداقيتها ويساهم في بناء شراكات فاعلة مع الجهات المعنية في صياغة السياسات الدولية.
تستمر الدبلوماسية الموازية في اكتساب مزيد من النفوذ في المشهد الدولي المعاصر، حيث يمثل التعاون بين الشبكات الرقمية، وتوظيف البيانات التحليلية، وتعزيز التعاون بين الجمعيات عناصر أساسية لنجاحها. مع تطور هذه الأدوات، يتوقع أن تزداد قوة تأثيرها في تعزيز الأمن والسلام الدولي، والمساهمة في صياغة سياسات عالمية أكثر عدالة وتوازنًا.
كما عكست النقاشات محاولة قوية لترسيخ مفهوم الدبلوماسية الموازية كقوة ناعمة داعمة للتحولات الإيجابية، حيث تناول المشاركون تجارب ميدانية متنوعة، وقدّموا توصيات عملية لتعزيز فعالية العمل الدبلوماسي الموازي، عبر تطوير الشبكات الدولية، واستثمار الإعلام الرقمي، وبناء تحالفات مدنية واسعة.
وفي ختام أشغال الندوة، تم تعيين جيل اخر من السفراء الإنسانية، كما أصدر الخبراء المشاركون توصيات تدعو إلى دعم المبادرات الإنسانية، وتحفيز التكوين في مجال الدبلوماسية الموازية، إلى جانب تبني مواقف أكثر جرأة لصالح القضايا العادلة في الساحة الدولية.
تجدر الإشارة إلى أن ندوة مالقا شكلت خطوة نوعية جديدة ضمن سلسلة الفعاليات الرامية إلى تعزيز ثقافة السلام والعدالة عبر أدوات الدبلوماسية الإنسانية.