بينما تذوب القيم الغربية – كالديمقراطية، والرأسمالية الحرة، والقانون الدولي – كما تذوب المثلجات تحت شمس الصيف، يصور الإعلام هذا الانحدار وكأنه نهاية العالم، وكأن البشرية نفسها على شفا الانقراض. لكن هذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها الإنسان انهياراً تاريخياً.

— بقلم: ديفيد أندرسون —

المصريون القدماء، الذين استعبدوا الملايين وبنوا الأهرامات التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، اختفوا، ومع ذلك استمرت البشرية وتقدمت. والإمبراطورية الرومانية، التي امتدت في وقت من الأوقات حتى أطراف بريطانيا، انهارت في نهاية المطاف، ومع ذلك تكيف الناس من جديد. حتى خلال الطاعون الأسود في أوروبا، الذي تم فيه القضاء على 60٪ من السكان، ومع ذلك استمرت البشرية في البقاء.

تتغير كل الأشياء مع الزمن — الأنظمة السياسية، الديانات، الهياكل الاجتماعية، والنماذج الاقتصادية. يستمر هذا النمط حتى زمننا هذا. انظروا مثلا كيف أن أكبر متجر في العالم، “مايسي” في مدينة نيويورك، من المقرر أن يُغلق في العام المقبل. إنه رمز لتغير أوسع: فقد انخفض متوسط عمر الشركة الأمريكية بشكل حاد من 67 عاماً في عشرينيات القرن الماضي إلى 15 إلى 20 عاماً فقط في عام 2023. وذلك بفضل التسوق الرقمي، والتغيرات التكنولوجية، وبيئات الأعمال سريعة التحول.

ومع ذلك، وبينما تتلاشى المؤسسات والأنظمة، تبقى الإنسانية.

لقد تم تلقيننا أن ننظر إلى الناس على أنهم مستهلكون هشّون وسلبيّون، يتأثرون بسهولة بالتغيرات الكبرى. لكن ربما العكس هو الصحيح. فاليوم، يبدو أن كثيرين أكثر يقظة، وأقل انخداعاً بالوعود الزائفة لنظام مهووس بالثراء والإفراط. و يبدو أن عددا متزايدا من الناس يدركون أن “الحلم الأمريكي” ليس سوى وهم أكثر منه حقيقة، وأن هذه الإدارة، مثل سابقاتها، ستمر وتنتهي.

هل يمكن أن يكون الناس قد بدأوا في ترسيخ جذورهم حقاً؟ يعيشون في حالة من عدم اليقين كافية لإبقائهم متيقظين، حذرين من الوقوع في الأخطاء التي قد تقودهم إلى مشاكل أعمق؟

هذه القدرة الهادئة على الصمود بدأت تظهر بطرق مرئية. لنأخذ مثالاً على ذلك التجمع الذي جرى في 19 أبريل أمام مكتبة نيويورك العامة، كجزء من حملة وطنية ضد ترامب. كان يعكس حركة متنامية، لم تكن مدفوعة بالتطرف أو الشيطنة الشخصية، بل بإصرار مستمر على العدالة، والتضامن، والإنصاف. وبينما يواصل النظام دفع المبادرات اليمينية، قد تصبح مثل هذه المظاهرات قوة مقاومة أساسية، يمكن للناس تعزيزها والتأقلم من خلالها مع الظروف المتغيرة.

في عالم اليوم، لا شيء مضمون. كل شيء يحتاج إلى رعاية مقصودة، ومتأنية، وهادفة.

نوع مختلف من القوة

لا يوجد نظام يمكنه تمثيل الناس تمثيلاً كاملاً. كل شخص لديه مسؤولية لا يمكن تفويضها. كل فعل بشري له تبعاته؛ كل تصرف يشكل العالم بطريقة ما.

ربما بدأنا ندرك أن الديمقراطية ليست شيئاً يحدث لنا، بل شيئاً نقوم به. ليست مثالاً تمثيلياً، بل ممارسة فعلية بشكل يومي.

الناس هم من يبقون. إنهم لا يُقهرون. فعلى مدى ملايين السنين، تكيفت البشرية، وتحولت، وابتكرت واقعا جديدا كي تستمر. كل ما نراه اليوم هو نتيجة للجهد الجماعي، ونية جيل بعد جيل، واقفاً معاً، يصنع التاريخ.

الإنجاز الحقيقي ليس في السيطرة أو الهيمنة، بل في تعميق وعينا بترابطنا، ومشروعنا المشترك، وحبنا لبعضنا البعض، ولكل إنسان.

— ترجمة: محمد القوضاضي —