بينما نحتفل بإسهامات مارتن لوثر كينغ جونيور، ولا سيما دوره في النهوض بالحقوق المدنية من خلال النشاط اللاعنفي، نتذكر النضال المستمر من أجل المساواة والعدالة العرقية. يستغل الكثير من الناس هذا اليوم للتفكير في رسائل كينغ عن الوحدة والمحبة واللاعنف. وهم يشاركون في خدمات تهدف إلى تحسين مجتمعاتهم، مجسدين بذلك روح رؤية كينغ لمجتمع أكثر إنصافًا.

— بقلم: ديفيد أندرسون —

أصبح هذا اليوم ومًا وطنيًا سنويًا منذ عام 1994 بعد أن وقعه الرئيس رونالد ريغان في عام 1983، وتم الاحتفال به لأول مرة في عام 1986. ويشجع الأمريكيين على اعتباره ”يوم عمل وليس يوم عطلة“ و استغلاله للتطوع ودعم القضايا التي تعزز المساواة والعدالة.

أتأمل، في هذا اليوم المميز، في جهودي المتجددة لمكافحة العدمية بجميع أشكالها التي ابتليت بها حياتنا اليومية. وغالبًا ما يتم بث هذا الشعور في وسائل الإعلام لدينا، وتختصره شعارات مثل ”انتهت اللعبة“. والمفارقة الصارخة هي أن الناس الذين يناقشون النتائج الكارثية للبشرية غالبًا ما يفعلون ذلك من غرفهم المكيفة المريحة، وهم يحتسون قهوة الإسبريسو التي تصل إلى أبوابهم، بينما يشاهدون الأخبار على هواتفهم الذكية التي تعمل بتقنية الجيل الخامس 5G.

تكمن مشكلة العدميين في أنهم لا يطرحون الأسئلة الصحيحة. فمن السهل وغير المجدي والسخيف أن نقترح نهاية البشرية بينما نحن على شفا اكتشافات وتحولات عميقة. نحن اليوم أكثر ترابطًا من أي وقت مضى، وقادرون على التعاون وفهم بعضنا البعض من خلال التطورات التي حدثت مثل خدمات الترجمة الآلية العصبية. هذا التحول الذي لا يمكن إيقافه يفتح الباب أمام تغييرات هيكلية عميقة في أسلوب حياتنا. توفر الطاقة المتجددة غير المحدودة فوائد مغرية: تدفئة خالية من الانبعاثات، سماد أكثر مراعاة للبيئة، ومواصلات تعمل بالطاقة الكهربائية. يمكن أن تصبح تحلية مياه البحر فعالة من حيث التكلفة، مما يخفف من نقص المياه على الأرض. ويمكن لإعادة التدوير على نطاق واسع استخراج العناصر النادرة الثمينة مثل المعادن الأرضية النادرة، بينما يمكن تفريغ ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي لإبطاء تغير المناخ. يمكن للناس العيش براحة في المناطق القطبية أو السفر على نطاق واسع في مركبات تعمل بالبطاريات. قد تصبح السلع والخدمات التي تعتمد على الكهرباء أرخص، بل قد تصبح مجانية، مما يجعل بصمتنا من الانبعاثات غير قابلة للكشف تقريباً. يدفعنا تطور الذكاء الاصطناعي والروبوتات إلى التساؤل عن هدفنا كبشر. يمكن أن نتحرر من مفهوم العمل ونبدأ في تخيل حياتنا بدون الهياكل الميكانيكية المتكررة التي تهيمن على عصرنا.

إننا نخرج للتو من كهوفنا المجازية، ونبدأ في فهم العالم الذي أُعطي لنا لنعمل على إضفاء الطابع الإنساني عليه. ويُعتبر تراجع سلطة الدولة القومية علامة جيدة، وكذلك الحال بالنسبة لرقمنة المال، واختلاط الثقافات، وزيادة التواصل من خلال الهواتف.

ولكن لنكن واضحين: لا يتعلق المستقبل بالحفاظ على ما نعرفه ونحبه مسبقًا. وإنما يتعلق بالتكيف والتطوّر وتخطّي الحدود. لطالما كان مستقبل البشرية تكنولوجيًا، لكنه الآن يتمحور فعليًا حول البيانات والاتصال والهندسة والعلوم. لقد فهم مارتن لوثر كينج الابن عصره جيدًا واستخدم التكنولوجيا الناشئة للتلفزيون والبث المباشر لفضح التمييز والعنف في النظام، حيث أظهر على سبيل المثال وحشية الشرطة ضد المتظاهرين السلميين.

لذا، ونحن نكرّم ذكرى MLK، يجب أن ندرك أن حلمه لم يكن يتعلق بالمساواة العرقية فحسب، بل كان يتعلق بالقدرات البشرية التي تم إطلاقها من خلال الشجاعة الأخلاقية والعمل الجماعي. وعلى غرار كينغ، الذي استخدم ببراعة تقنيات عصره للنهوض بالعدالة، فإننا نقف عند نقطة انعطاف مماثلة حيث يمكن لقدراتنا التكنولوجية أن تساعد في تحقيق حلمه بعالم أكثر إنصافًا. إن التحدي الماثل أمامنا لا يكمن في ما إذا كانت البشرية ستبقى على قيد الحياة، بل في كيفية استخدامنا لهذه الأدوات والفرص غير المسبوقة لبناء ”المجتمع المتآلف“ الذي تصوره.